سورة الواقعة - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


{فِى كتاب مَّكْنُونٍ} أي مصونٍ من غيرِ المقربين من الملائكةِ لا يطلعُ عليه مَنْ سواهم وهو اللوحُ {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون} إمَّا صفةٌ أخرى لكتاب فالمرادُ بالمطهرين الملائكةُ المنزهون عن الكدوراتِ الجُسمانيةِ وأوضارِ الأوزارِ أو للقرآنِ فالمرادُ بهم المطهرون من الأحداثِ فيكون نفياً بمعنى النهي أي لا ينبغي أنْ يمسَّه إلا من كان على طهارةٍ من الناسِ على طريقةِ قولِه عليه الصلاةُ والسلامُ: «المسلمُ أخُو المسلمِ لا يظلمُه ولا يُسلُمه» أي لا ينبغي له أن يظلَمه أو يُسلَمه إلى مَنْ يظلمُه وقيلَ: لا يطلبه إلا المطهرون من الكفرِ وقرئ: {المُتطهرونَ} و{المُطَّهرونَ} بالإدغامِ و{المُطْهرون} من أطهرَهُ بمعنى طهَّره و{المطَّهرونَ} أي أنفسهَم أو غيرَهم بالاستغفارِ أو غيرِه {تَنزِيلٌ مّن رَّبّ العالمين} صفةٌ أخرى للقرآن وهو مصدرٌ نعت به حتى جرى مجرى اسمِه وقرئ: {تنزيلاً} {أفبهذا الحديث} الذي ذكرتُ نعوتُه الجليلةُ الموجبةُ لإعظامِه وإجلالِه وهو القرآنُ الكريمُ {أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ} أي متهاونونَ به كمن يُدْهِنُ في الأمرِ أي يُلينُ جانبه ولا يتصلبُ فيه تهاوناً به {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي شكرَ رزقكم {أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ} أي تضعونَ التكذيبَ موضعَ الشكرِ وقرئ: {وتجعلون شُكركم أنَّكم تكذبونَ} أي تجعلون شكركم لنعمةِ القرآن أنكم تكذبونَ به وقيل: الرزقُ المطرُ والمعنى وتجعلونَ شكرَ ما يرزقكم الله تعالى من الغيثِ أنكم تكذبونَ بكونِه من الله تعالى حيثُ تنسُبونه إلى الأنواءِ والأولُ هو الأوفقُ لسباق النظم الكريمِ وسياقهِ فإنَّ قولَه عز وجل: {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم} إلخ تبكيتٌ مبنيٌّ على تكذيبِهم بالقرآنِ فيما نطقَ به قولُه تعالى نحنُ خلقناكُم إلى هُنا من القوارعِ الدالةِ على كونِهم تحتَ ملكوتِه تعالى من حيثُ ذواتُهم ومن حيث طعامُهم وشرابُهم وسائرُ أسبابِ معايشِهم كما ستقفُ عليه، ولولا للتحضيضِ لإظهارِ عجزِهم وإذَا ظرفيةٌ أي فهلاَّ إذَا بلغتْ النفسُ أي الروحُ وقيل: نفسُ أحدِكم الحلقومِ وتداعتْ إلى الخروجِ.


{وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ} أيها الحاضرونَ حولَ صاحبِها {تَنظُرُونَ} إلى ما هُو فيه من الغمراتِ {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} علماً وقدرةً وتصرفاً {مّنكُمْ} حيثُ لا تعرفون من حالِه إلا ما تشاهدونَهُ من آثارِ الشدةِ من غيرِ أن تقفوا على كُنهِها وكيفيتِها وأسبابِها ولا أنْ تقدرُوا على دفع أدنى شيءٍ منها ونحنُ المتولونَ لتفاصيل أحوالِه بعلمنا وقدرتنا أو بملائكة الموتِ {ولكن لاَّ تُبْصِرُونَ} لا تدركونَ ذلكَ لجهلِكم بشؤونِنا. وقوله تعالى: {فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} أي غيرَ مربوبينَ من دانَ السلطانُ رعيتَهُ إذا ساسَهم واستعبدَهم ناظرً إلى قولِه تعالى نحن خلقناكُم فلولا تصدقونَ فإن التحضيضَ يستدعي عدمَ المحضض عليه حتماً وقوله تعالى: {تَرْجِعُونَهَا} أي النفسُ إلى مقرِّها هو العاملُ في إذَا والمحضض عليه بلولا الأُولى والثانيةُ مكررةٌ للتأكيد وهيَ مع ما في حيزها دليلُ جوابِ الشرطِ والمعنى إنْ كنتُم غير مربوبينَ كما ينبىءُ عنه عدمُ تصديقِكم بخلقنا إياكم فهلا ترجعونَ النفسَ إلى مقرِّها عند بلوغِها الحلقومَ {إِن كُنتُمْ صادقين} في اعتقادكم فإن عدمَ تصديقِهم بخالقيتِه تعالى لهم عبارةٌ عن تصديقِهم بعدمِ خالقيتِه تعالى بوجبِ مذهبِهم. وقوله تعالى: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المقربين} إلخ شروعٌ في بيان حالِ المُتوفي بعد المماتِ إثرَ بيانِ حالِه عند الوفاةِ أي فأما إن كانَ الذي بُيّن حالُه من السابقينَ من الأزواج الثلاثةِ عبر عنهم بأجلِّ أوصافِهم {فَرَوْحٌ} أي فله استراحةٌ وقرئ: {فرُوحٌ} بضمِّ الراء وفسِّر بالرحمة لأنها سببٌ لحياة المرحومِ وبالحياة الدائمةِ {وَرَيْحَانٌ} ورزقٌ {وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} أي ذاتُ تنعمٍ {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أصحاب اليمين} عبر عنهم بالعنوانِ السابقِ إذا لم يذكر لهم فيما سبقَ وصفٌ واحدٌ ينبىءُ عن شأنِهم سواهُ كما ذكرَ للفريقينِ الآخرينِ.


وقوله تعالى: {فسلام لَّكَ مِنْ أصحاب اليمين} إخبارٌ من جهته تعالى بتسليمِ بعضهم على بعضٍ كما يُفصح عنه اللامُ لا حكايةُ إنشاءِ سلامِ بعضِهم على بعض وإلا لقيل عليك والالتفاتُ إلى خطاب كل واحدٍ منهم للتشريفِ {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضالين} وهم أصحابُ الشمال عبر عنهم بذلكَ حسبما وصفوا به عند بيانِ أحوالِهم بقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضالون المكذبون} ذماً لهم بذلك وإشعاراً بسببِ ما ابتْلوا به من العذابِ {فَنُزُلٌ} أي فله نزلٌ كائنٌ {مِنْ حَمِيمٍ} يُشرب بعد أكل الزقومِ كما فُصل فيما قبلُ. {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} أي إدخالٌ في النارِ وقيل: إقامةٌ فيها ومقاساةٌ لألوان عذابها وقيل: ذلك ما يجده في القبر من سَمومِ النارِ ودخانِها {إِنَّ هَذَا} أي الذي ذُكرَ في السورةِ الكريمةِ {لَهُوَ حَقُّ اليقين} أي حقُّ الخبزِ اليقينِ وقيل: الحقُّ الثابتُ من اليقين والفاء في قوله تعالى: {فَسَبّحْ باسم رَبّكَ العظيم} لترتيبِ التسبيحِ أو الأمر به على ما قبلها فإن حقيةَ ما فُصل في تضاعيفِ السورةِ الكريمةِ ممَّا يوجبُ تنزيهَه تعالى عمَّا لا يليقُ بشأنه الجليلِ من الأمورِ التي من جُملتِها الإشراكُ به والتكذيبُ بآياتِه الناطقةِ بالحقِّ. عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأَ سُورةَ الواقعةِ في كلِّ ليلةٍ لم تُصبْهُ فاقةٌ أبداً».

1 | 2 | 3 | 4 | 5